الــــســـجـــاد الـــشـــرقـــي
تمهيد
بعد أن انتقل الإنسان من مرحلة الصيد والتقاط الثمار ، إلى مرحلة الرعي والزراعة ، استنبط أنواعاً من النسيج وجعل منها غطاءً وزينة وفراشاً .
لقد دجَّن الإنسان الماشية من خراف وماعز وجمال وقان برعيها في الشتاء في الوديان المنخفضة ( رحلة الشتاء Garmsi ) الدافئة ، وفي الصيف إلى الجبال العالية ( رحلة الصيف أو سرحال Sarhal ) ، وكانت فترة الصيف هي الفترة الملائمة للقيام بنسيج حاجاته من سجاد وبسط ومفارش ومعدات وسفر ، واستبدال لباسه من الجلد والفرو إلى ما نسجه من صوف الحيوان المدجن .
ففي الصيف تنتشر النباتات البرية حيث يؤخذ الصباغ من أوراقها وأزهارها وجذورها ويكون الصوف قد جز وعسل وغزل وصبغ ، أما النول فصغير أفقي سهل التركيب والفك والحمل ، أما النساء فنشيطات يعملن بسرعة لإنجاز ما بدأن به .
يعتبر السجاد الشرقي قطعاً فنية استعملت على مر العصور لتزيين القصور الفخمة في كل أنحاء العالم ، ويتباهى الناس عادة بحيازتهم قطعاً منه ، وبالرغم من هذه المكانة والتقدير الذي يحظى به ، فإنه لا يكاد أن يخلو بيت شرقي مهما كان متواضعاً من قطع السجاد ، كما أن ملايين المسلمين في كل مكان يستعملون السجاد عند أداء صلواتهم في المساجد .
إن العالم الغربي بقي متخلفاً في صناعة واستعمال السجاد حتى نهاية القرون الوسطى ، وعندما تعرف الغرب على السجاد الشرقي نال إعجاباً منقطع النظير من قبل ملوكهم وأمرائهم ، واعتبرت قطع السجاد الشرقي من أدوات الترف النفيسة التي لا يحلم بامتلاكها إلا الأغنياء ، ويمكن اعتبار فن صناعة السجاد من أهم أدوات التعبير عن الحضارة الإسلامية خلال عصورها المتوالية ، والشعب الوحيد من غير المسلمين الذي عرف صناعة السجاد هو العشب الصيني .
وبالرغم من أن فن صناعة السجاد نتاج حضارة واحدة إلا أنه استطاع أن يقدم مجموعة متنوعة من الأشكال والتصاميم الفنية ، بالإضافة إلى التصاميم الهندسية التقليدية ، وظهرت أيضاً صور جميلة لحدائق ولحيوانات مختلفة ومناظر صيد للسجاد المصنوع في بعض البلدان الإسلامية ، وتوجد بعض القطع من السجاد المصنوع من الحرير الطبيعي وخيوط الذهب والفضة والتي عملت خصيصاً للملوك والحكام العظماء ، وتعتبر قطعاً فنية نفيسة ، ومن أبرز ظواهر السجاد الشرقي هو أنه جزء من عادات وتقاليد يومية معاشة لذلك فإن صناعته لم تندثر وبقيت حية ، وظل صاحب السجاد الشرقي يعمل على نول يشبه كثيراً النول الذي كان يعمل عليه أجداده ، وينسج ويعقد خيوط الصوف بنفس الطريقة ، وكذلك بقيت التصاميم والأشكال التقليدية للسجاد الشرقي تستعمل إلى يومنا هذا .
